الاثنين، 14 يناير 2019

صوفيا //////

أنا واللص
....................................

 دقت الساعة  معلنةً مرور ساعتين على  منتصف الليل
ثمة ليلة ليست كغيرها من الليالي
تتغير عليك أشياؤك ويضيق عليك المكان بما رحُب 
أحاديث النهار تملأ صدري وتطرد النوم عن  عيني 
طالَ أرقي هذه الليلة وأنا التي أعتدت أن أنام بعد الدجاج بقليل
ظلامٌ دامسٌ في الخارج
وقمر مُتَنَحٍّ عن أطراف نافذتي
وضوءٌ خافت في أحد أركان غرفتي  يرسم ظلالًا  مختلفة  الأشكال على الجدران 
محاولاتي العديدة  في الخلود إلى النوم باءت بالفشل
أضف إلى أنني  لست من الذين يكلفون أنفسهم عناء مغادرة السرير
ليصرفوا بعض الوقت في شؤون  أخرى لا تمت إلى طقوس النوم بصلة 
فدفء الفراش في الشتاء مغرٍ والمجازفة بقيام أي نشاط قد يخدم هذا الأرق العنيد
صوت الرياح  في الخارج يفزعني
ويبعث في داخلي بعض الريبة المصحوبة بالتوجس وأصوات القطط المتناحرة تؤكد الصراع المرير من أجل البقاء
يبدو أن الأرق يجعلنا أكثر تنبهًا وإنصاتًا وتفهما  لكل ما  يدور حولنا
تلك الزوبعة في رأسي لا تهدأ
و خوفٌ يجبرني على ملاحقة أي صوت أو حركة ..
هاتفي في الغرفة المجاورة لا أسمحُ له أن يشاركني غرفة النوم .

وماذا بعد أيها الإنتباه المفرط؟؟  ...
 لقد قاربت الساعة على الثالثة بعد منتصف الليل ومازلتَ تسهدني !!

اتكأتُ على وحدتي شاردةً في كل شيء
وتساؤلاتي تقرضني ذات اليمين وذات الشمال إلى أن شعرتُ أخيراً بخدر لطيف  يتسلل إلى جسدي فاستبشرت بريح نومٍ قادم  بعد لحظات
 عيني التي كادت ترخي سترها على  أخر بصيص من الضوء الخافت لتودّعه  جحظت  فجأة و كادت تفر من محجرها  عندما لاح لها   ظلٌ طويلٌ  خلف زجاج  الباب الفاصل بين غرفتي والغرفة المجاورة 
إنه زجاجٌ محجّرٌ سميكٌ عسليُّ اللون لا يكشف التفاصيل المخبأة وراءه   يخترق خشب الباب من الجانبين ويرسم مجريين من  البلور  فيكسبه مظهرًا أنيقًا ويسمح للضوء أن يتلون و يعبره
- يا إلهي ..
 - من يكون هذا ؟
- ماذا يفعل هنا ؟ كيف دخل البيت ؟
من المؤكد أنه ليس صاحب الظل الطويل وأنا لست( جودي أبوت )
إنهُ لص
نعم.. لصٌ محترفٌ ويعلم أنني في البيت وحدي وينتظرني حتى أنام ليفعل فعلته   
 ليت الشكوك كلها لا تساوره وعين اليقين  تخبره أني  أغط في نوم عميق كأهل الكهف
وأني لست قلقة أبداً ..
ليتني أستطيع أن أسمعه  شخيرًا عاليًا ليطمئن قلبه
فينهي مهمتهُ سريعًا 
ليتني أخبره أنه لا داعي لحمل مسدس أو سكين .
فليأخد ما يريد ويذهب
ولكني وجدت أن كل ما فيني خائناً ساكتاً 
 شعرت أني فارغة  من كل شيء
لا صوت ..لا نفس ..لا نبض .. لا أعصاب
انسحلتُ رويداً رويداً تحت غطاءي وعيني مسمّرة  عليه خائفة تترقب 
مضت ساعة من الوقت وهذا البليد لا يتحرك
ماذا ينتظر ؟
وكيف له أن يتحلى بكل هذا الهدوء والصبر ؟
أليس  ما يريده هو  المال والذهب 
فليبحث عنه إذاً..
(أعتقد أنه يعلم بأنك  مستيقظة) أجاب  نصف عقلي المدبر
( لا شيء يشير إلى ملامح حياة في غرفتي سوى بؤبؤ عين  يدور في كل الإتجاهات تحت غطاء ثقيل من الأرق والخوف )
أجابهُ النصف الآخر
وبين سين هذا  وجيم  ذاك مضى الوقت
واقترب أكثر من نهاية الثلث الأخير من  الليل وبدأت أشم أنفاس الفجر
وهذا الصامت الرعديد ما زال قائمًا على حاله يرقبني
لا خطوة إلى اليمين ولا إلى اليسار
وأنا التي نال الثبات والسكون من عظامي ومفاصلي ما نال
وملأتني الحيرة إلى حد  الدوخان دون أن أجد تفسيرًا ما لحقيقة ما يحدث
 هل يدخل اللصوص بيوت الناس للوقوف والتأمل ؟
شعرت بحاجةٍ ملحةٍ إلى دخول الحمام
لكن لا ..
كيف أجرؤ على ارتكاب مثل هذه الحماقة في موقف كهذا
حسنا سأصبر أكثر ...
بدأ يتبين لي وبالتدريج الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر وبدأت أسمع بعض خطوات وأصوات في الشارع العام تعلن بداية صبحٍ جديد فتنفست الصعداء
لكن عيني المرهقة  ما زالت معلقة على صاحب الظل الطويل الذي لا أطال الله  له عمرًا  ولا ثبّت له قدمًا في الحياة( دعوة أسرها قلبي ولم تتحرك بها  شفتاي خشية  أن يصل همسها إلى أذنيه .
.....
لم تلبث أن أشرقت الأرض بنور ربها وغطت الشمس  كل ضوء مزيف  وملأت غرفتي  ضياءً وحياة ...
تلاشت الظلال من حولي  ولم أعد أبصر جيداً  ظل (خوفو الطويل هذا)
 خلف الزجاج ...
أرى الآن شيئًا مختلفاً لا أستطيع أن أميزه
هل ابتعد قليلا ؟
هل جلس ؟
لم تدم تساؤلاتي طويلًا
 تمالكت نفسي وغادرت فراشي أجرُّ قدماً لا تريد التقدم  وأخرى أتعبها البقاء ونفساً يغذيها نسغ الفضول وقلبا يرجف كسلك كهرباء تتلاعب به الرياح
ولكني في نهاية المطاف وصلت إلى باب الغرفة وأدرت مقبض الباب  بسرعة تلافيًا لأي رد فعل قد يقوم بها هذا الوغد  فوقعت تلك اللئيمة على وجهي وكادت أن تصيبني بشلل رباعي من شدة الرعب
إنها شجرة الزينة الطويلة  التي حررت نفسها من أسر مسمار  كان يثبتها في مكانها واتكأت طيلة الليل  على الزجاج لتجعلني أقضي  ليلةً من أسوأ الليالي ...

#صوفيا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق