السبت، 24 أغسطس 2019

زكريا عليو///////

… .. && وسام شهيد  &&…… ..
على سفح الجبل قرية تغازل المجد ، يقبع بيت  يخاف صفير الريح أن يهدم  سقفه المغطى بالصفيح ، وتحت هذا السقف المتهالك ، أبو عامر يجترُّ أحزانه ، وهو يستذكر ابنه  عامر الشهيد ،الذي روى تراب الوطن بدمائه كي ﻻ تسرق الأيام   ابتسامة أولاده ، لارا وحسن .
وها هما يلتحفان معطف جوخ خاكي لجنرال فرنسي ، حصل عليه الجد ، من إحدى معاركه البطولية، إبان الإحتلال الفرنسي ، وبقايا حرام صوف ، بعد أن شحّ المازوت بقريتهم ، ولن يستطيعوا أن يشتروه من سوق التهريب .
وأم حسن منهمكة  في المطبخ ، تنتظر أن يخلدولداها للنوم ، لأنها عاجزة عن تقديم العشاء أو  بعض الشاي ، والجد قد فهم ذلك فاسترسل بالحكايا عن بطولاته ، وبطولة أبيهما ،
أم حسن اليوم مشغولة بأفكار كثيرة ، تسافر بها بعيداً ، عن واقع مرير ، ضاعت به كلّ الأماني ،  بعد أن زارها مختار القرية وبلّغها أنّ مكتب الشهداء  بالمحافظة ينتظرها غداً لتكريم ذوي الشهداء ، وكم اغتاظت من نظراته ورقصات  شاربيه  .
أخذت تحدّث نفسها ، غدا سأرتاح من همهمات  الخضرجي ،( امرأة بأول عمرها ، حرام تبقى هكذا ، افضل رجل يتمنى أن تكون حليلته )، وذاك السّمان ( أم حسن الشرع حلّل أربعة ، والحمدلله قادر أن أفتح أكثر من بيت ، وأستطيع أن أوفر لك ولأولادك أفضل البيوت ، وأطعمهما وأعلمهما ..و… و… ).
 وهي تعلم أن الليرة عندما تدخل جيبه ، لن ترى النور مجدّداً ،  وستفرّخ  كلّ يوم ليرتين ، هتاف داخلي يخرجها من دوامة هذه الأفكار السوداء ، ماذا تلبسين  غداً ؟ وأنت  زوجة الشهيد ، هذا اللباس الأسود ﻻ يليق به ، وليس لديّك غيره ،أتستعيرين من جارتك  أو من بعض صديقاتك  ..؟
أين محفظة  اليد ، أين الكندرة……
أين… . أين… .. ؟
ﻻ عليك يا زوجة الشهيد ، تهمس بسرّها ارتدي ذاك الثوب الجميل بألوانه المزهزهة ،وكندرتك ذات الكعب العالي ، الّلذين خبّأتهما ، بعد ليلة الزفاف ،
 آه متى يأتي الصباح… . ؟
في الصّباح الباكر ، سارت أم حسن إلى موقف السرفيس الوحيد الذي يقلّها إلى المدينة ،  وهي تشعر أنّ كلّ شباب القرية تلاحقهابنظرات الإعجاب ،  فتردّد في سرّها لو بينكم حسن لتزوجته .
 وأخذت  تدك  الطريق بخطواتها المتسارعة ، ويطول بها كثيراً ، وشعرت أنّ الوقت  أطّول من بؤسها ،  إلى أن وصلت موقف السرفيس ، تفقدت جزدانها ﻻ بأس ببعض النقود ثمناً لتذكرتي الذهاب والإياب ، التي استدانتها من أختها ،  مسرعة توجهت إلى مكتب  الشهداء بالمحافظة ، أحسّت بالفخر أنّها زوجة الشهيد البطل ،  وهذه الورود والأعلام وضعت لأجلها ولقريناتها، واكتظت طاولة المسؤول بأنواع المشروبات الساخنة والباردة ، والإبتسامات المصطنعة ، ابتدت أمعاؤها ، تصرّح باشتهائها وحاجتها لأي شيء يسكتها .
 كثرت عبارات الترحاب والخطب الرنانة ، ممّا شجعها  أن تعرض شهادتها الجامعية على المسؤول هناك ، لعلّ وظيفة ما ، تعينها في تربية ابني الشّهيد ،  تقبلت نظرة المكر من الموظف وتلك الابتسامة العريضة ،  أعرض من كلّ بؤسها ، وقال…  سا… سا .. و… . و… .
كم تمنت لو أنّ اللغة العربية ﻻ تحتوي أفعال التسويف .
وفي نهاية اللقاء ازداد التصفيق ...
وابتسمت الصور الفوتوغرافية التذكارية ، وعلت ضحكات الصحافة، وتشدّقها : سننشر الريبورتاجات  لكم في العدد القادم بجريدة ابتسامة وطن .
وناولها شاب وسيم ظرفاً مختوماًممهوراً بالأختام ، أخذته بحياء ، وهي تستمع لهمسات المسؤولين ، على موعد للغداء بأحد الفنادق التي تليق بمقامهم ،
كتمت سرورها وعادت مسرعة لبيتها ، فهي تعلم أن مَن في البيت ينتظر إبريق شاي ساخن وإفطاراً دسماً ، ودخلت مسرعة إلى  المطبخ ، لتهدئ صراخ الأولاد أماه نحن جائعان ،
بعد أن نفخت مطوّلاً على بعض الحطب ليشتعل ووضعت ابريق الشاي على النّار ، وهي تهمس بسرّها آخر مرة أطبخ على الحطب ، غدا سأشتري بوتغاز ، وشاي وسكر وزيت ..و… .و… .. و… .     .!
فتحت الظرف بعناية شديدة ، وأخذت تتلمس الأوراق برفق ، وهي منبهرة بألوانها وأشكالها .
وابتدت تصحو من غفلتها ، على نداء الجد يا أم حسن ألم يجهز الغداء… .. ؟
سكبت الماء الساخن بأكواب كبيرة ،
ووضعت بإحداها وسام شرف
وبالأخرى وسام بطولة من الدرجة الأولى
وبالأخرى بطاقة شهيد
وبأخرى وسام النزاهة
وبالأخرى… ..

يقلم : زكــريا أحمــد عليــو
ســوريا ــــ اللاذقيــة
   ٢٠١٩/٣/٦

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق