الخميس، 23 يناير 2020

سحر القوافي ///////

العنوان: حلم سراب
            قصة قصيرة بقلم الأديبة سحر القوافي
استيقظت من نومي على حلمي مبتسما يتأملني.
نظرت في عينيه الساحرتين ووجه الصبوح المشرق ، وقلت له:
صباح الخير
 في دهشة تأملته ، أصابتني سهامه..ثمة سر خفي إليه يجذبني ويأسرني..غير أني رأيته يلملم بعضه للرحيل..فناديته ألا ترحل عني..رجوته البقاء معي.قال : اكتفيت من الألم، لقد تركت لك الأمل ، واستدار ولم يهتم. فرحت اتبعه على غير هدى أجتر النداء والرجاء وصوته يتردد في روحي كالصدى..وهو ماض في سبيله مبحرا في المدى..
ومنذ ذلك الحين وانا أطارده ..وكلما خطوة خطوة إليه خطا خطوتين وابتعد..
وعلى قارعة الطريق انجلت الأسرار..فرأيت أعلى الشارع الولهان الفاقع الضوء والألوان الذائع الصيت والصوت حيث يرفع السوط ويقف السجان قصور سيدي السلطان وعيونا تملأها اللهفة وقلوبا خالية من الرأفة والرجفة ..ورأيت وثنا متربعا على العرش فاغر الفاه من العطش رغم المعين الجاري والوديان وظله كأنه الشيطان ..وشاهدت حدائق غلبا وجنانا وزبانية تملأ المكان..وتنحني في ركوع وخشوع  تحرسها كلاب باسطات الذراعين ..ورأيت بطونا منتفخة أصحابها يأكلون بشراهة ونهم  يلتهمون النعم ..كأنهم سكارى عطشى لكؤوس الدم..نساؤهم من ورق مشاع وبناتهم متاع ..
ورأيت قوما أنصافهم أوثان ورؤوسهم  معادن وأحجار صما بكما عميا لا يفقهون ، للشهوات والأهواء يخرون..
وفي المنحدر الخافت الضوء وقف الأعراف بلا أيد ولا ألسنة يقرأون الكتاب ..شقهم الأيمن في النور والأيسر في الديجور..
وأسفل الشارع المجنون في الركن المعتم تقام المٱتم كالولائم ويغتال الشعور..أرواحهم في دوامة تدور..وبينهم خيالات بشر تقبع في المقامع والأصفاد وتعل سياط الجلاد من دمائهم..وحولهم وجوه بلا أعين وأجساد بلا أيد ولا رؤوس..كأعجاز نخل منقعر يتملكهم الوجع واليأس، ضلوعهم جوفاء مفرغة ورأيت أراضيهم تنبت ولا يأكلون ومناجمهم تسوق  ولا يقبضون..تسرق منهم الحياة وهم مستسلمون..
ورأيت هناك أطفالا حفاة عراة بلا لعب كأني بهم يتلوون من الجوع ويرتجفون من برد الصقيع ، يفترشون التراب والحصى ويمتهنون الضياع وعند رؤوسهم نساء باكيات نائحات حيارى يفتشن عن الدفء والعز يسألن العابرين الفتات ويتضرعن إلى الله الفرج والنجاة..ورأيت اللحم الرخيص يباع للضباع..
ورأيت ما لا عين رأت من خفايا القصر ومواجع القهر ومٱسي البشر
غير أني واصلت مطاردة الحلم..
تعقبته طيفا ثم ضبابا  فخيط دخان ..ثم سرابا..
سريت في كل المنحنيات وولجت كل المحطات وقطعت مسافات وفضاءات ..تعاقبت السنون والفصول..وفوجئت بالخريف يتسلل إلي ..واستحالت حياتي ذكريات..توهجت الشعرات البيض ..وتثاقلت خطاي وأدركني الهرم ..ومازلت أقاوم ..أمسيت أمشي متكئة على عكاز ..وربما غدا سأغدو سرابا يطارد السراب..غير أن إيمانا راسخا في روحي يؤزني أن أتبع حلمي يرافقني الأمل..
قصة قصيرة بقلم الأديبة الجزائرية سحر القوافي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق