الثلاثاء، 27 نوفمبر 2018


وليد. د.العايش 


- #عكازان #وعابر #سبيل - 

      --------------
لم تكن السماء تنوي المطر في تلك الأمسية؛ فإن الغيمة التي صعدت فجأة كانت ماتزال عذراء ؛ بينما القمر يرتدي ثوبه الرمادي دون ربطة عنق؛ حوار مختلف يدور هناك ؛ لم يسمعه أي عابر سوى نسمة مجهولة الاسم . 
في عناق مثير ؛ تتقرب وردة حمراء من غصن شوك يقطن بجوارها ؛ سرب العصافير عاد للتو من رحلته اليومية ؛ صوت الناي يبدأ بالهدوء رويدا رويدا ؛ الأغنام تحبذ النوم على السهر ؛ بينما الراعي يضرم النار في عيدان الحطب إيذانا بليلة دافئة. 
لم يعد الصباح بعيدا جدا؛ المطر بقي هناك في صومعة السماء ؛ الفجر يصعد الدرج دون أن يستأذن أحدا . 
- هل تريدين شيئا يا أم خالد ... سأذهب إلى المرعى ... 
- خذ معك معطفك ؛ فيبدو بأن البرد آت يا أبا  خالد ... 
- سوف أفعل ؛ هل زوادتي جاهزة ... إنني جائع هذا الصباح ...  
ناولته المرأة - التي مازال النوم يعاند عينيها - زوادة محكمة الربط وكأنها تنوي الهجرة بلا عودة  . 
تابعته قليلا قبل أن يختفي مع القطيع خلف الرابية ؛ بدأ يعزف لكنه المعتاد على ثغر الناي ؛ تمايلت الأغنام طربا على وقع صوتها ؛ أخفى الحمار نهيقه للحظات ؛ كان يود الاستماع إلى أنين الناي . 
- ما هذه ... أسطوانة قديمة أصابها الصدأ ؛ سوف أخذها معي ؛ فقد نبيعها لبائع النحاس ؛ فرح الراعي بلقيته ... لكنه لم يتم كلماته حتى دوى صوت قوي ؛ اهتز القطيع رعبا ؛ انزلقت الناي من بين شفتيه؛ نهق الحمار ؛ سقط الراعي على أرض حانية ؛ دنا الكلب منه ؛ رائحة غير محببة تنبعث من قدمه اليمنى . 
سقطت الجرة من يدي أم خالد ؛ فانكسرت؛ وسال الماء منها على نحو مريب ... 
- الله يعطينا خيرك ... قالت المرأة  . 
عندما استفاق أبو خالد من نومه القسري شاهد كل شيء ؛ سوى ساقه اليمنى؛ لقد غادرت مع أشياء أخرى ... 
- يارب ... أين ساقي ... ماذا حدث لي ... نظر إليه الكلب والدمعة تأخذ موقعها في عينيه ... 
- لقد نجوت يا صديقي ... لقد نجوت ... تابع الراعي حديثه . 
عابر سبيل يحمل ما تبقى من أبي خالد ؛ الدرب كانت تشي بأمر مريب؛ الغيمة العذراء تتكاتف فجأة؛ الحمار يطأ على شيء آخر ... 
- لا بد لك من عكاز يا أبا خالد ؛ وربما تحتاج لأخرى ...  قال الطبيب   . 
- حسبنا الله ونعم الوكيل  ... 
المرأة تبكي هناك بصمت ؛ الغيمة الماكرة تبدأ ببث مطرها المحموم ؛ الطريق أمست زلقة . 
حامت نظرات أبو خالد حول البيت ؛ اعترته دهشة مشتعلة لم تكن حبات المطر قادرة على اطفاءها ... 
- أين عابر السبيل ؛ أين الحمار ؛ أين الناي ؛ أين الزوادة ... صرخ الراعي وهو يلوح بعكازيه الاثنتين ... 
سكتت السماء ؛ غادرت الغيمة التي فقدت عذريتها ؛ دموع القمر تحضر جلسة الظهيرة ... 
------------

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق